الخميسي يدفع الباب المغلق بين الأقباط والمسلمون
عرض: عماد توماس
إذا كانت الحكمة البليغة تقول "الإنسان عدو ما يجهل" فهو بالطبع "صديق من يعرف" وهذا الكتاب يحاول تأصيل معرفة الآخر المغاير حق المعرفة، ليس بالانطباع الشخصي والأفكار المسبقة لكن بما يريد الآخر تعريفه عن نفسه.
هذا الكتاب " الباب المغلق.. أقباط ومسلمون" مجموعة مقالات ترصد على مدى عشر سنوات تقريبا مظاهر الطائفية والتمييز التي تهدد مصير المصريين المشترك، ويعبر عن موقف كاتبه الدكتور أحمد الخميسي . الكاتب الصحفي والقصاص المصري من ذلك، وفهمه لأسباب تلك الظواهر ولا يكتفي المؤلف بتشخيص المرض وتسليط الأضواء عليه، لكنه يقدم علاجًا للخروج من أزمة تفشى الطائفية. ورغم أن الكاتب يعترف أن الكثيرين كتبوا في هذا الموضوع، لكنه أراد أن يدفع مع الآخرين الباب المغلق ولو دفعة صغيرة عله ينفتح في الضمائر والنفوس.
كتاب " الباب المغلق.. أقباط ومسلمون" صغير في عدد وريقاته كبير في معناه وقيمه التي يبثها، سلس القراءة، يبتعد عن الأسالبيب الإنشائية والجمل الفلسفية، يمكنك أن تقراه في جلسة واحدة، وتكاد تكون تلهث وراء فصوله.
”نحن”، و”هم”
يندهش ويتحير الكاتب من هذين الكلمتين ”نحن”، و”هم”، فتجعله يشعر بأن ثمة شيئا ما، مجهولا يميز أولئك الناس عنا، أو يميزنا عنهم. فنحن مسلمون وهم مسيحيون وخلاص!
يعترف الكاتب بأنه متأخرا، أدرك أن أخطر ما يهدد الثقافة المصرية هو التفرقة التي نتشربها من طفولتنا، لأن المسلمين ينشئون على ثقافة إسلامية فحسب -بالمعنى العام للثقافة- بينما ينشأ معظم الأقباط بدورهم على ثقافة مسيحية فحسب، لا أحد يعلمنا منذ الطفولة أن تاريخ مصر وحدة لا تتجزأ، وأنه لا يمكن لمصري أن يلم بتاريخ بلده من دون أن يتعرف إلى هاتين الثقافتين، ومن دون أن يتشربها وجدانه، ومن ثم فإن التفرقة في التربية في الصغر، والطائفية في الكبر، عقاب يحل ليس فقط بالأقباط ولكن بالمسلمين أيضا لأنها تحرمهم من اكتمال شعورهم بالوطن.
وفي المحصلة النهائية يصبح الوطن -عند هؤلاء وأولئك- بعين واحدة، ترى كنيسة فقط، أو ترى
جامعا فقط، ولا ترى أن السماء التي تظلنا ترق للكل الابتهالات.
الحلول المؤقتة
يؤكد الخميسي، على أن منهج الحلول المؤقتة في كل مرة لا ينتزع الفتنة من جذورها. معتقدًا أن نشر الثقافة خاصة العلمية على أوسع نطاق هو السبيل الوحيد لحماية وحدة المصريين. ويدعو إلى
تقديم “الأقباط” وهم العنصر الثاني في الأمة بصورة واضحة في الثقافة والإعلام، مؤكدًا على إننا نقوم بأكبر خدمة للطائفية حينما ننحي التاريخ القبطي عن مناهج التعليم، ونقوم بالتعتيم على حاضر الأقباط ومشكلاتهم، ومن ثم يصبح القبطي المصري موضوعا مجهولا محاطا بالغموض والإبهام لدى الطرف الآخر في الأمة المصرية، وكل موضوع مبهم قابل لأن يكون مادة للعداء، لأنه حينما تنعدم المعرفة فإن الخيال يندفع لتعويض غيابها بأوهام وصور مريضة عن الآخر.
الدين والأدب
يرى الخميسي، أن الإعلام والتليفزيون لا يضع الأقباط في دائرة الضوء الكافية، فلا ينقل احتفالاتهم أو شعائرهم بانتظام، ولا يجعل حياتهم وثقافتهم أمرا مألوفا، أي أن تلك الأجهزة تعوق عمليا التعايش المشترك. ورغم أن له العديد من الأصدقاء الأقباط منذ زمن- إلا انه يعترف بأنه ما زال يجهل إلى الآن الأدعية التي تبث إلى ألسنة الأقباط عند وقوع كارثة، أو فرحة مفاجئة، ويجهل الكثير من تقاليدهم، بل انه يقول انه يشعر بالخجل حين يجلس معهم في بعض أعيادهم، وهو لا يدري شيئا عنها، أو عن مناسبتها!!
يوضح القصاص المصري ، فكرته عن علاقة الدين بالأدب، مؤكدا على انه لا ينبغي أن يكون هناك أدب قبطي، كما أنه ليس هناك أدب نوبي، هناك أدب مصري. لكن لابد من أن تتنفس وتزدهر داخل أدبنا المصري كل ألوان التعبير عن كل القضايا بحالتها الخاصة.
ويضف : عندما أسمع عن حوادث اختطاف البنات المسيحيات في الصعيد وإجبارهن على الزواج
من شبان مسلمين، أسال نفسي: ألا يصلح هذا ليكون موضوعا لقصة؟ لماذا لا يكتب أخوتنا من
الأدباء الأقباط عن ذلك؟ ومن أين يتولد لديهم هذا الشعور بالرهبة أو ربما الرغبة في تفادي
إثارة المسألة فيمنعهم من الكتابة بصراحة عن قضاياهم؟.
موضحًا أن للتعبير الأدبي عن القضايا القبطية الخاصة له أهمية بالغة، لأنه يجعل من الموضوع المجهول موضوعا معروفا مألوفا، ومن ثم يمكن اعتياده والقبول به. أما أن تظل قضايا الأقباط وعوالمهم المعنوية والفكرية الفردية والجماعية أسيرة للعتمة والصمت، فإن ذلك يجعلها شيئا مجهولا، قابلا لإضافات الخيال بالسلب والإيجاب لأن الطبيعة تكره الفراغ، ومن ثم تملأه على الأغلب بالأوهام والتصورات المريضة عن الآخر.
مواجهة ثقافة القوة والظلام
يعتقد كاتبنا أننا في أشد الحاجة إلى إزالة كل القوانين التي تكرس التفرقة، لأن الله لم يمنحنا سوى وطن واحد، هو على كل عيوبه وبكل محاسنه كل ما نملك، وعلينا أن نصونه ونحميه، ليغدو – ولو في أحلامنا – أجمل الأوطان وأكثرها عدلا.
داعيًا إلى مواجهة ثقافة القوة والظلام التي تسبح في أجوائنا مثل الطيور العمياء. مستشهدا ببعض الظواهر المجتمعية بدءا من ذلك الذي يقتحم الميكروباص، فاردا كتفيه زاعقا بصوت يجلجل كالرعد:”السلام عليكم”مبحلقا في الجالسين يرتجفون من هول صيحته التي تحمل من التهديد أكثر مما تحمل من معنى السلام، مرورا بتشغيل شرائط كاسيت تبث آيات الذكر الحكيم ليل نهار دون أن ينصت إليها أحد في ضجيج المواصلات والشوارع، والذين ينقضون بالملصقات على جدران القطارات والمترو والسيارات بعبارات مثل”الحجاب قبل الحساب”، أو”لا تنس ذكر الله”وتحت العبارة أو فوقها أرقام هواتف شركة تصليح دش أو محمول أو هاتف شركة تقسيط ثلاجات! ولا يعكس ذلك في معظمه سوى حالة من التحفز والتحرش بخلق الله، وكأن الدين الإسلامي بحاجة إلى إعلان بعد أن مكن الله له في الأرض. شيئا فشيئا يتزايد عدد سائقي التاكسي الذين لا يتوقفون إذا أشارت إليهم فتاة غير محجبة. أما في قطارات المترو فقد أصبح مألوفا أن تدخل إحداهن إلى العربة المخصصة للسيدات وتدعوهن فجأة ومن دون مبرر واضح إلى قراءة الفاتحة على روح موتى المسلمين جميعا. متسائلا: ماذا لو دخل قبطي يدعو الناس في المترو إلى الترحم على أرواح ضحايا الاضطهاد الروماني للمسيحيين؟ كيف سينظر إليه الآخرون!!
وحش التمييز
يؤكد احمد الخميسي، على أن هناك عوامل -غير دينية- تكمن وراء الطائفية وفي مقدمتها الفقر، والبطالة، وغياب المشروع الوطني، والجهل، --مستطردا- إذا كانت الدولة عاجزة عن حل أي من تلك المشكلات، فإن بوسعها -مع ضغط من المثقفين المستنيرين- أن تبدأ بالاستجابة لحقوق الأقباط ومطالبهم لرفع التمييز الديني. هذا أو أن الطائفية التي سوف تتغذى على الفقر والجهل المتزايدين سوف تصبح وحشا، تطعمه قوى داخلية وخارجية، ليصبح قادرا على ابتلاع ما تبقى من مصر.
الطريق للخروج من الأزمة
لم يكتفي مؤلف كتابنا " الباب المغلق.. أقباط ومسلمون" من تشخيص المرض، بل يضع روشته للعلاج في تبنى صراحة مطالب الأقباط العادلة المعروفة مثل:
- نزع خانة الديانة من البطاقات وجوازات السفر، لأن المواطن يعرف بجنسيته وليس بدينه.
- مساواة الأقباط بغيرهم في أوقات البث الإعلامي والتليفزيوني لطقوس الأقباط الدينية.
- الإلغاء النهائي والكامل لكل قرارات “الخط الهمايوني” التي تعود للقرن 19 ، والتي تلزم الأقباط
بالحصول على موافقة رئيس الجمهورية أو غيره لإصلاح دورة مياه داخل كنيسة، أو ترميم كنيسة، وغير ذلك.
-وقف كافة أشكال التمييز عند التعيين في الوظائف، وفي الترقية، وفي الوصول إلى المناصب
الكبرى كالمحافظ، والوزير، والمناصب الكبيرة في الشرطة والجيش والجامعات والمعاهد.
-وضع القوانين اللازمة التي تجرم وتعاقب على”إثارة الكراهية”من على منابر الجوامع، وفي
المدارس، والنظام التعليمي، وتطبيق ذلك.
-وضع مادة تاريخ في المدارس بحيث تعتمد على حقيقة أن تاريخ مصر هو ضفيرة من الكفاح
المشترك لكل أبنائها، وأن تاريخ مصر إبداع المسلمين والأقباط. وإدخال المراحل المسيحية
في مواد التاريخ.
ويؤسفنى في نهاية هذا العرض أن أخبرك عزيزي القارئ/ عزيزتي القارئة أن هذا الكتاب المتميز قد نفذ من المكتبات، وأرجو أن يكون هذا حافزا للكاتب أن يقوم بطباعة طبعة جديدة منه.
ومن أجمل ما يمكن أن نختم به هذا العرض المبسط للكتاب استشهاد الكاتب بأنشودة بديع خيري وسيد درويش: “لا تقول نصراني و لا مسلم.. اللي أوطانهم تجمعهم.. عمر الأديان ما تفرقهم”.
الخميسي يدفع الباب المغلق بينسيرة ذاتية للكاتب
د. أحمد الخميسي . كاتب صحفي وقصاص مصري . مواليد القاهرة 1948 . حصل على دكتوراه في الأدب الروسي من جامعة موسكو عام 1992 . عضو نقابة الصحفيين واتحاد كتاب مصر . عمل في الصحافة بدءا من عام 1964 ، وظهرت قصصه القصيرة في العام ذاته في المجلات المصرية ، وقدمه الكاتب الكبير يوسف إدريس لمجلة الكاتب المصرية عام 1967. اعتقل في مظاهرات فبراير الطلابية عام 1968 ، وظل بالمعتقل لأكثر من عامين ونصف . سافر للدراسة في روسيا ، وعمل أثناء ذلك مراسلا صحفيا من موسكو لعدة صحف ومجلات عربية . حاليا متفرغ للعمل الصحفي والأدبي .
صدر له العديد من الكتب والمجموعات القصصية.