الاقباط ليسوا قلة وليسوا منحرفين
طارق الشناوى
الدستور
المحاولة التي تجري لتوصيف ما حدث حول كنيسة أو مبنى إداري العمرانية باعتباره ماساً بالوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط يجافي تماماً الحقيقة التي يعرفها كل المصرين وأرى أن تداوله على هذا النحو يسيء بالتأكيد للوحدة الوطنية التي من المفروض أن الدولة بكل أجهزتها تعمل على دعمها.. لم يكن ما حدث الأربعاء الماضي من مواجهة بين أكثر من 3 آلاف قبطي وقوات أمن مركزي هو صراع مسلمين وأقباط.. قوات الأمن لا يتم الالتحاق بها طبقاً لخانة الديانة ولكن بالجنسية المصرية وعلى هذا فإن من الجائز جداً أن نرى أن قائد قوات الأمن المركزي مسيحي الديانة والمؤكد أن القوات لم يكن كل جنودها مسلمين فأين هو الصراع بين المسلمين والأقباط كما أن عدد من المتظاهرين كانوا أيضاً مسلمين وجدوا أن مطلب الأقباط شرعي فهم يريدون بناء بيت من بيوت الله ولهذا ساندوهم والذين شيعوا جثمان الشابين المقتولين على أيدي قوات الأمن المركزي كانوا من المسلمين والأقباط فأين هو إذن الصراع الطائفي!!
ليست فتنة دينية ولكنها غضب كامن في نفوس أقباط مصر عبر عن نفسه بسبب الكنيسة التي تلكأت الجهات المسئولة في السماح بالتصريح بإنشائها بها ورغم أنني أكرر مثل "نجيب ساويرس" عندما قال أن مصر في حاجة إلى بناء مستشفى ومدرسة أكثر من حاجتها إلى بناء كنيسة أو جامع إلا أنه أمام الإحساس بالظلم الاجتماعي للأقباط من الممكن أن تتحول قضية الكنيسة إلى رمز للمطالبة برفع الظلم بكافة صورة وأشكاله!!
وفد الكنيسة الذي ذهب لمحافظة الجيزة كما أشارت الجرائد الصادرة صباح الأحد الماضي قدم اعتذاراً للجهات الأمنية وللمحافظ عما بدر من المسيحيين ولا أدري ما هي الصفة التي يحملها رجل الدين لكي يعتذر بالنيابة عن المسيحيين وعلى المقابل وعد المسئولين بإنهاء الإجراءات الخاصة بتحويل المبنى إلى كنيسة.. وهكذا صارت المشكلة عدد من أقباط مصر يدافعون عن حقوقهم الكنسية وبعض المسلمين يرفضون ذلك هذا هو ما تريد الدولة تصديره وتضيف أيضاً على لسان رجال الكنيسة أن هؤلاء قلة منحرفة وهو الثمن الذي من الواضح أنه يجب على رجل الدين المسيحي أن يدفعه وهو يسعى لحل المشكلة القانونية.. ربما تريد الكنيسة أن تحسم عقبتين بهذه الزيارة الكنسية لجهات الأمن الأول هو الإفراج عن حوالي 160 مسيحي معتقل وفي نفس الوقت المسارعة إلى اتخاذ الإجراءات التنفيذية لإنشاء الكنيسة إلا أن الوجه الآخر من الصورة هو أن القضية صارت أقباط يدافع عنهم رجال الكنيسة ويطلقون عليهم في سبيل الحصول على براءتهم تعبير قلة منحرفة!!
لم تكن بالتأكيد فتنة بين مسلمين وأقباط حيث انضم إلى مطلب الأقباط بعض ممن تطلق عليهم الدولة "جماعة المحظورة" ليتأكد أن الأمر ليس له علاقة بأصحاب دين ولكن بقيمة ينبغي أن ندافع عنها جميعاً وهي العدالة.. لست أدري لماذا لم تدرك الدولة أمنياً ولا أقول سياسياً أن ما حدث قبل بضعة أيام قابل للتكرار وبأعداد أكبر وأنه لن يصبح قاصراً فقط على مصريين أقباط ولكن مصريين فقط لن تفرقهم الديانة بل ستوحد بينهم شرعية المطالب.. بالطبع من صالح أجهزة الأمن أن يعتبرها قضية أقباط تمس الوحدة الوطنية وأن يوصف هؤلاء الأقباط من قبل الكنيسة بأنهم قلة منحرفة إلا أن المصريين.. لا أقول الأقباط.. أكرر المصريون يعرفون أنهم لم يكونوا قلة وليسوا بالتأكيد منحرفين!!