باتريك سيل قدم محاضرة brismes السنوية (1 من 2) .. هذه هي حرب أميركا على الإسلام
صلاح أحمد من لندن
ألقى الكاتب والصحافي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط باتريك سيل المحاضرة السنوية لـ "الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط" تحت عنوان "حرب أميركا على الإسلام". وتسلط "إيلاف"، على جزئين، الضوء على أبرز ما جاء في محاضرته.
استضافت "الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط"، المعروفة اختصارا بالأحرف اللاتينية brismes "بريسميس"، الكاتب والصحافي البريطاني المرموق باتريك سيل ليقدم محاضرتها السنوية في 18 من الشهر الحالي بمقر الأكاديمية البريطانية في قلب لندن.وكانت محاضرة سيل بعنوان "حرب أميركا على الإسلام"، وحضرتها طائفة كبيرة من المهتمين بالشؤون السياسية الدولية والإسلامية والعربية عجت بهم قاعة المحاضرات. وفي ختام المحاضرة قدمت "بريسميس" جائزتها السنوية لسيل عن خدماته في مجال دراسات الشرق الأوسط. وتسلط "إيلاف"، على جزئين، الضوء على أبرز ما جاء في محاضرته، كما يلي:
أوباما: ثلاثة أهداف
عندما خاطب الرئيس باراك اوباما العالم الإسلامي من القاهرة العام الماضي، قدم له أملا عظيما بقوله إن أميركا لم تكن ولن تكون في حرب ضد الإسلام. لكن هذا الأمل العظيم تحول الى خيبة عظيمة لأن الرئيس الأميركي نكص عن وعده. ومعظم المسلمين اليوم لا يجدون فرقا بينه وبين سلفه العدائي جورج بوش. وبالنسبة لبعض هؤلاء فإن أميركا حقا في حرب ضد الإسلام ولذلك فهم يقاتلونها.
وهذا رغم أن من المفترض لاوباما، بفضل خلفيته، أن يكون أكثر قدرة من غيره لفهم الإسلام واسترضائه بدلا عن استعدائه، لأنه على نحو ما ابن العالم الثالث. فأبوه مسلم، وقد أمضى سنواته الباكرة في إندونيسيا، كما انه أول رئيس أميركي أسود. لكنه ايضا "ذلك الفتى الأميركي" الذي نشأ في هاواي وتعلم في هارفارد وبدأ حياته المهنية في شيكاغو. وربما كان "ينوي" ألا يكون في حرب ضد الإسلام، لكنه لم "يفعل" شيئا بهذا الخصوص غير الكلام. وفي اعتقادي فإن مشكلته هي أنه وضع نفسه في نفس الأيدي الأميركية - من الحزبين - التي ظلت تصنع السياسة الأميركية الخرقاء تجاه الشرق الأوسط لعقود طويلة الآن.
وقد انحنى اوباما للضغوط الداخلية فصار حبيسا أيضا لدى اللوبي الموالي لإسرائيل في واشنطن، ولدى المحافظين الجدد، وجنرالات الجيش، والمؤسسات الإعلامية مثل "فوكس نيوز"، وايضا لدى الجمهور الأميركي المعصوب العينين الذي صار يعاني من الخوف المَرَضي من المسلمين بعد هجمات 9/11 ويطالب الآن بالانتقام... وهكذا تستمر حرب أميركا على الإسلام تحت قيادة اوباما.
لدى توليه الرئاسة حدد اوباما ثلاثة أهداف رئيسية هي: أولا، تسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس الدولتين، وثانيا، تسوية بلاده نزاعها حول البرنامج النووي الإيراني عبر التفاوض، وثالثا الانسحاب من العراق.
لكنه حاد عن هذه الأهداف: في الأول بسبب تعنت بنيامين نتنياهو، وفي الثاني بسبب الثورة الخضراء في ايران بعد فور أحمدي نجاد بالانتخابات وبسبب تضييقه خناق العقوبات عليها بحيث استعدى أهلها. ورغم انه سحب بعض قواته من العراق فإن سوادها الأعظم باق هناك بدعوة من المصالح الأميركية. وهكذا وجدت "القاعدة" مبررات استمرارها كما تبدّى في جريمة الهجوم على كنيسة بغداد قبل أسابيع قليلة.
مقاومة إسلامية
لا يهمني هنا مَن الذي بدأ الحرب بين أميركا والإسلام لأن هذا يتعلق أيضا بالدور الامبريالي الذي ورثته واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية من حليفيها الواهنين وقتها، لندن وباريس. ما يهمني حقا هو فهم الوضع الحالي الذي أفرز جماعات إسلامية راديكالية تستهدف الغرب. و9/11 مثال واحد لأعمال أخرى عديدة قامت بها هذه الجماعات مثل اعتداءات مدريد ولندن.
وقد يقول البعض إن أفضل وسيلة لمواجهة الإرهاب تتمثل في الاستخبارات والمراقبة الإلكترونية وهلم جرا. لكن السؤال هو: هل هذا يكفي في حد ذاته للمهمة؟ الإجابة هي النفي، لأن عداء جماعات كالقاعدة للغرب يمتد الى بقية المسلمين رغم أنهم يرفضون الإرهاب. فهم يشعرون بالغبن إزاء الحروب الأميركية ضد دول مسلمة، والوضع في فلسطين، والطريقة المزرية التي يتعامل بها الغرب معهم عموما. وما نشهده الآن يمكن ان يوصف بأنه "مقاومة إسلامية على نطاق العالم".
أسباب الكراهية
لماذا يثير الغرب كل هذه الكراهية في العالم الإسلامي؟ ثمة ثلاثة أسباب رئيسية لهذا وهي:
1 - عسكرة السياسة الأميركية الخارجية. تبلغ ميزانية أميركا الحربية لهذا العام 700 مليار دولار، أي أكثر من ميزانيات معظم دول العالم مجتمعة. وهذا لأن واشنطن تعتبر التدخل في شؤون الآخرين باسم الديمقراطية والحرية "حقا إلهيا" وأن أي دولة تعارض هذا الحق "مارقة". وقد قال جورج بوش في خطاب ولايته الثانية إن مهمته هي القضاء على "الشر" ممثلا في الإرهاب الإسلامي، ومن هنا جاء تعبير "الحرب على الإرهاب".
ومشكلة أميركا هي أنها لم تسأل نفسها عن أسباب الهجوم عليها في 9/11. ويدلا عن ذلك غزت أفغانستان بحجة ملاحقة القاعدة وإطاحة طالبان (البشتونية) التي تستضيفها بناء على مبدأ إيواء السائل. بوش لم يفهم هذا وأوباما، بدلا عن تصحيح الخطأ بالانسحاب، توسع في الحرب.
2 - التأييد الأعمى لإسرائيل على مدي أكثر من 40 عاما وحمايتها الكاملة لها من أي إجراءات عقابية قد يتخذها مجلس الأمن والفيتو ضد الدولة الفلسطينية. وهذا بالإضافة الى استنان قانون في 2008 يلزم الرئيس الأميركي في أي زمن بضمان التفوق العسكرى الكامل لإسرائيل على أي دولة أخرى في عموم المنطقة.
ومن المفهوم أن تسعى إسرائيل لضمان أمنها. لكن من غير المفهوم أن تسعى أيضا لضمان غياب الأمن في أي من جاراتها القريبة والبعيدة. وتأكيدا على هذا فهي تتدخل في شؤون الدول العربية لتحريض الأقليات وغيرها على الحكومات، مثل الأكراد ضد بغداد، والجنوبيين في السودان ضد الخرطوم، والمارونيين اللبنانيين ضد دمشق. وأضف الى هذا عمليات الاغتيال التي تمارسها مثل ما حدث مع مسؤول حماس (محمود المبحوح) في دبي مؤخرا.
3- الخوف المَرَضي من الإسلام الذي اجتاح أميركا وبقية الدول الغربية. ولكن، في نهاية المطاف، يبدو أن الغرب راح يبحث عن عدو جديد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي (امبراطورية الشر) فوجده في العالم الإسلامي. وهذا لأنه رأى فيه تجسيدا للعنف والشر تتعين هزيمته إن كان له ولإسرائيل أن يعيشا بسلام. وبلغ الأمر حد أننا شهدنا أشياء مثل الاستعداد لحرق المصحف، ومهاجمة مقابر المسلمين، والمظاهرات لمنع تشييد المركز الإسلامي قرب "غراند زيرو". وعندما دافع الرئيس أوباما عن حق المسلمين ، كغيرهم، في ممارسة عقيدتهم قالوا إنه ليس مسيحيا وليس أميركيا.
رسالة أوروبا للإسلام
في أوروبا بعث نهوض اليمين المتطرف في دول مثل هولندا والدنمارك والنمسا وسويسرا برسائل واضحة ومباشرة الى المهاجرين المسلمين مفادها أنهم غير مرغوب فيهم. وحتى في المانيا خرجت الستشارة انغيلا ميركل بفشل التعددية الثقافية في بلادها انطلاقا من ان 3 ملايين من ذوي الأصول التركية لا يمكن امتصاصهم داخل الثقافة الألمانية.
ومن جهته تبنى الرئيس نيكولا ساركوزي سياسة معادية للإسلام بشكل جلي. فدخل في مواجهة مع إيران بشأن برنامجها النووي، وأرسل جنوده للقتال في أفغانستان، وعارض بشدة تمتع تركيا بعضوية الاتحاد الأوروبي، وربط الهجرة الإسلامية بالجريمة. أمن الغريب بعد كل هذا أن يشعر المسلمون بأن الغرب يشن حربا عليهم؟
الحكومات الإسلامية
المتشددون الإسلاميون لا يشنون حربهم على الغرب وحده وإنما على حكوماتهم أيضا. ومن بين أسبابهم أن هذه الحكومات عاجزة عن حماية الهوية الإسلامية وعن هزيمة إسرائيل على مدى ستة عقود. ومنها أيضا أن القومية العربية والعلمانية أثبتتا فشلهما وأن الحل هو الإسلام. ولهذا فإن السجون العربية تضح بهم في مصر والعراق والجزائر وسوريا والأردن واليمن. ولكن، ربما كانت السعودية هي الوحيدة التي تسجل نجاحا في مشروعها لإعادة تعليم هؤلاء المتشددين وبالتالي إعادتهمم الى حظيرة المجتمع.
نتائج غير مقصودة
للتدخل الغربي في شؤون العالم الإسلامي عواقب غير مقصودة بالنسبة له بالرغم من مخططاته المعاكسة البعيدة المدى، ومن هذه بعض الأمثلة:
* لو لم تطح أميركا وبريطانيا الزعيم الإيراني محمد مصدق بسبب تأميميه النفط الإيراني وتنصيبهما الشاه وتجاوزاته مكانه، لما كان ثمة داع لاندلاع الثورة الخمينية الإسلامية في المقام الأول.
* لولا الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1978 لغرض فرض قوة لبنانية وكيلة عنها في الجنوب وفي 1982 لغرض القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية لما تشكل "حزب الله"، المصنّف أميركياً وغربياً "جماعة إرهابية"، رغم هدفه المعلن وهو الدفاع عن شيعة البلاد الذي يشكلون ثلث سكان لبنان.
* لو لم تلعب الأصابع الخفية الأميركية (دعم صدام حسين في مطامحه) والإسرائيلية (إيران - كونترا غيت) دورها في تمديد الحرب العراقية الإيرانية ودمويتها المأساوية، لما ظهر في إيران رئيس متشدد مثل أحمدي نجاد.
* لو لم تلق أميركا بالمجاهدين (ومئات الآلاف منهم من مختلف الدول الإسلامية) في سلة المهملات بعد تحرير أفغانستان من الغزو السوفياتي، فلربما انتفى سعي اسامة بن لادن لتشكيل "القاعدة" أصلا.
* لو لم تطرد دول الخليج أكثر من مليون عامل يمني يعتمد عليهم اقتصاد بلادهم فقط لأنها انحازت الى جانب صدام حسين في حرب الخليج الأولى، لما صار اليمن اليوم على حالته هذه وملاذا آمناً للقاعدة في شبه الجزيرة العربية.
بطاقة شخصية
تلقى باتريك سيل، المولود في بلفاست،آيرلندا الشمالية، تعليمه العالي في تاريخ الشرق الأوسط بجامعة اوكسفورد ونال فيها الدكتوراه ولاحقا عضوية كلية سنت انتوني التي تلقى تعليمه فيها. وبالإضافة لكونه كاتبا وصحافيا متخصصا في شؤون الشرق الأوسط، فهو يزاول مهنة التجارة في الأعمال الفنية والوكالة الأدبية.
وقد عمل سابقا لصحيفة "اوبزيرفر" البريطانية لأكثر من ـ12 عاما مراسلا في الشرق الأوسط وافريقيا والهند وأجرى لقاءات مع العديد من الرؤساء والملوك وكبار الشخصيات في العالم العربي. وأمضى أيضا ست سنوات في وكالة "رويترز" محررا للشؤون المالية.
وهو يعيش منذ عشر سنوات في فرنسا وتظهر مقالاته الصحافية عبر وكالة "آجانس غلوبال" في عدد من الصحف العربية من بينها "الحياة" (لندن)، و"ديلي ستار" (لبنان)، و"الاتحاد" (أبو ظبي)، و"غلف نيوز" (دبي) و"ساودي غازيت" (السعودية).
أصدر سيل عددا من الكتب من بينها "النضال من أجل سوريا" (1965)، و"أسد سوريا: النضال من أجل الشرق الأوسط" (1988)، و"أبو نضال: بندقية للإيجار" (1992)، و"النضال للاستقلال العربي: رياض الصلح وصنّاع الشرق الأوسط الحديث" (2010). وشارك أيضا في كتابة مذكرات الأمير خالد بن سلطان عن حرب الخليج الأولى "محارب الصحراء" (1995).
وتبعا للموسوعة الحرة "ويكيبيديا" فهو متزوج من الكاتبة السورية رونا قباني، كريمة السفير السوري السابق لدى واشنطن صباح قباني. ورونا هي زوجته الثانية بعد وفاة الأولى البريطانية لامورنا هيث.
BRISMES
تأسست "الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط"، المعروفة اختصارا بالأحرف اللاتينية brismes "بريسميس"، في العام 1973 بغرض الترويج لثقافة الشرق الأوسط والتشجيع على دراستها في بريطانيا.
وتضم الجمعية في عضويتها، المفتوحة للجميع، نخبة واسعة من الكتاب والصحافيين والدبلوماسيين والباحثين والطلاب وغيرهم من المهتمين بشؤون الشرق الأوسط. ويذكر أن بين من قدم المحاضرة السنوية في السابق من العرب الأمير حسن ولي العهد الأردني من 1965 إلى 1999، والأديب والسياسي السعودي الراحل غازي القصيبي.
واشتهرت بريسميس أيضا بجائزة الكتاب التي تقدمها سنويا مند العام 1998 بمنحة من مؤسسة عبد الله مبارك الخيرية. وهي تعتبر ايضا من أبرز قنوات "الرابطة الأوروبية للدراسات الشرقية"، وصارت منذ العام 2007 إحدى الجمعيات التي تتلقى تمويلا من "الأكاديمية البريطانية". وتتخذ الجمعية مقرها الإداري في "معهد الدراسات الشرقية والإسلامية" بجامعة دارام بشمال شرق انكلترا.
الأكاديمية البريطانية
تعنى الأكاديمية، التي أسست العام 1902 بمرسوم ملكي وصارت هيئة مستقلة تمّول "بريسميس" الآن، بالعلوم الإنسانية والاجتماعية وتضم في عضويتها أكثر من 800 أكاديمي. وهي تتخذ مقرها في كارلتون هاوس تيراس خلف جادة ذي مال التي تربط ساحة ترافلغار بقصر باكينغهام. وأهدافها الرئيسية هي:
* رعاية مصالح الأكاديميين محليا ودوليا
* التعرّف على التميّز وترقيته
* دعم البحوث المتقدمة
* دعم التعاون والتبادل الدولي وترقيتهما
* نشر الوعي العام بالبحث والمنح الأكاديمية
* نشر نتائج الأبحاث