يرى البعض انه من غير المحتمل ان يكون المبشرون الذين ادخلوا المسيحية الى الجزيرة العربية قبل الاسلام قد اهملوا تزويد المسيحيين العرب بترجمة عربية (11) .
(ويرى اغلب الباحثين ان الحاجة الى الترجمة العربية للكتاب المقدس بدأت تظهر بعد وفاة محمد (ص) وسيادة الاسلام وانضواء المجتمعات المسيحية واليهودية تحت سيطرته) (12) (وانه لا يوجد دليل يعول عليه لاثبات أي ترجمة عربية قبل الاسلام) (13).
“وهناك نقطة اخرى متصلة بهذا البحث عن اليهودية والنصرانية العربية ثم بالثقافة العربية بوجه عام: وهي اذا ما كانت التوراة والانجيل في عصر النبي ص. وبيئته منقولاً الى العربية أم لا؟
...والقرائن القرآنية تلهمنا من جهة، والتاريخ المتصل بالمشاهدة من جهة اخرى يخبرنا بأن آلافاً مؤلفة من العرب كانوا نصارى، ومنهم البدو ومنهم الحضر. وانهم كان لهم دول وشأن على مسرح بلاد الشام والعراق؛ ولهم اساقفتهم ورهبانهم وقسيسوهم وكنائسهم وأديارهم الكثيرة.
واستتباعاً لهذا فإن من السائغ ان يقال انه لا بد من ان يكون بعض اسفار العهد القديم والعهد الجديد، إن لم يكن جميعها، قد ترجمت الى العربية قبل الاسلام؛ وضاعت فيما ضاع من آثار عربية مدونة في غمرات الثورات والفتن والفتوح. نقول هذا لاننا لم نطلع على قول ما في صدد وجود ترجمة عربية لهذه الاسفار تمت الى ما قبل البعثة. وكل ما عرفناه خبر ترجمة عربية لبعضها منسوب الى القرون الاسلامية الوسطى.
ولعل ما في القرآن من اسماء وكلمات معربة كثيرة، ومن تعابير مترجمة متصلة بمحتويات هذه الاسفار مثل (التوراة والانجيل وروح القدس وجبريل وميكال والزبور ونوح وابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب وادريس ويوسف وهارون وقارون وفرعون وداود وسليمان وطالوت وجالوت، وعزيز ومسيح وعيسى وزكريا والياس واليشع وذي الكفل ويونس وأيوب وحوارين وسيناء ويهود ونصارى وتابوت ألخ) مما تصح أن تكون قرائن عن ذلك. ونرى ان هذا هو الذي يستقيم مع وجود عشرات الوف العرب النصارى، وآلاف الرهبان والقسيسين العرب، ومئات الكنائس والاديار العربية. واذا صح ما نقوله فتكون هذه التلرجمة مصدرا رئيسيا مدونا من مصادر ثقافة العرب ومعارفهم النصرانية واليهودية؛ خاصة قبا البعثة، كما هو المتبادر" (درزة: عصر النبي وبيئته قبل البعثه: 468-469).
ونحن لاثبات وجود ترجمة عربية للكتاب والانجيل، نجد دليلين من القرآن والحديث: ففي أحد آيات القرآن التي تصف النصارى ورهبانهم في صلاتهم بمكة والمدينة والحجاز، تميزهم عن سائر اهل الكتاب بقولها: " ليسوا سواء من اهل الكتاب امة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون" (آل عمران 113) وهذه الاية اصدق شاهد على وجود ترجمة عربية للتوراة والزبور والانجيل: رهبان عرب او غير عرب يتلون في الحجاز آيات الله آناء الليل لا يمكن ان يكون ذلك الا في لغة العرب.
وفي البقرة آية اخرى توحي بمثل ذلك عن اليهود والذين كانوا يترجمون الكتاب للعرب: " فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله" (79). لم يكن اليهود يفهمون الكتاب العبراني بل ترجموه الى الارامي لهم، ولا شك في انهم كانوا يترجمون بالعربية لليهود المستعربين او العرب المتهودين. ويزيدها ايضاحا تهديد القرآن للربانيين الذين " يكتمون من أنزل الله من الكتاب" (بقرة 159 و 174)، وتحدي القرآن للمعارضين اليهود: " قل فأتوا بالتوراة فأتلوها ان كنتم صادقين" (آل عمران 93) فكــيف يشهد السامعون على صدقهم او كذبهم اذا تلوها بغير العربية؟؟؟ اذا كانت مترجمة الى العربية وتتلى بالعربية.
وقد جاء في السير والاحاديث الصحيحية ان ورقة بن نوفل كان أحد مترجمي الانجيل الى العربية قبل الاسلام.
وخاطب البغدادي في كتاب (التقييد) يذكر ان محمد لام عمراً على ترجمته كتاباً من اهل الكتاب (ص 52) ولام ايضا صاحبياً ترجم كتاب دانيال (ص 57).
ونجد دليلين من التاريخ العام والخاص. فقد سجلت المراجع " ان الطبري روى عن هشام بن محمد أنه لم ذهب اليمني يستنجد النجاشي على ذي نواس وأنبأه بما فعل نصير اليهودية بالنصارى (في نجران واليمن) وأراه الانجيل قد احرقت النار بعضه، كتب النجاشي الى قيصر في ذلك وبعث اليه بالانجيل المحرق" ( وهذه القصة ايضا يرويها حسنين هيكل: حياة محمد 74). فهذا الانجيل المتلو في اليمن والذي احرقه ذو نواس لا شك انه كان بالعربي، كي يتلوه نصارى العرب.
ثم ان " وجود عشرات الوف العرب النصارى، وآلاف الرهبان والقسيسين العرب، ومئات الكنائس والاديار العربية " – كما يقول دروزة – لا يقوم الا بوجود ترجمة عربية للانجيل والكتاب بجميع اقسامه لات قراءة التوراة والزبور والانبياء والانجيل معا من صلب صلواتهم التي لا تقوم بدونها، وفيها كانوا يتلون الكتاب والانجيل بكاملها على مدار السنة في الكنيسة.
فهذه الادلة النقلية والعقلية تقضي بوجود ترجمة عربية للكتاب والانجيل، قبل الاسلام