"أنتم تعملون أعمال أبيكم. فقالوا له إننا لم نولد من زنا، لنا أب وأحد وهو اللَّه". (41)
كشف السيد المسيح لهم عن حقيقة مخفية عنهم وهي أنهم بأعمالهم هذه يحملون البنوة لإبليس القتَّال منذ البدء الذي لم يثبت في الحق (٤٤).
ربما قصد اليهود بذلك أنهم ليسوا من نسل إسماعيل ابن الجارية، إنما من نسل اسحق ابن سارة الحرة. كما أنهم ليسوا من نسل موآب أو أدوم الذين وًلدوا خلال علاقة أثيمة بين نوح وبنتيه.
v لا يقف الأمر عند العود والحجارة بل اختار الإنسان حتى الشيطان مهلك النفوس ليكون أبًا له. لهذا إنتهرهم الرب قائلاً: "
أنتم تعملون أعمال أبيكم" أي الشيطان، أب البشر بالخداع لا بالطبيعة. فكما صار بولس بتعليمه الصالح أبًا للكورنثيون، هكذا دُعي الشيطان أبًا للذين وافقوه بإرادتهم (مز 18:50).
القديس كيرلس الأورشليميv إذ نخطئ ففي هذا نحن لم ننتزع بعد مولدنا من إبليس، حتى وإن كنا نظن أننا نؤمن بيسوع. لهذا يقول يسوع لليهود الذين آمنوا: "
أنتم تعملون أعمال أبيكم". كلمة "
أب" تعني إبليس كما جاء في العبارة: "أنتم من أب هو إبليس" (٤٤).
v هذه الكلمات توضح تمامًا أن الشخص ليس ابنا لإبليس كثمرة للخلقة، ولا يُقال عن أي إنسان أنه ابن الله لأنه خُلق هكذا.
كما هو واضح أيضًا أن الذي كان قبلاً يُدعى ابنًا لإبليس يمكنه أن يصير ابن الله. أعلن أيضًا (الإنجيلي) متى ذلك عندما سجل قول المخلص هكذا: "سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، احسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم، لكي
تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات" (مت ٥: ٤٣-٤٥).
v إن كان كل من يثبت فيه لا يخطئ، فإن من يخطئ لا يثبت في الابن. وإن كان كل من يخطئ لا يراه، فإن من يراه لا يخطئ.
v المولود من الله لا يخطئ. لكن بالحقيقة لم يُكتب أن المولود من إبليس لا يصنع البرّ، وإنما من يصنع الشر هو من إبليس.
v يقول البعض أن بعض الكائنات المخلوقة هي من الله وهي ليست قط مولودة من الله. هذه الكائنات حتمًا أقل رتبة في المسكونة من الذين يُقال عنهم انهم مولودون من الله.
v المولود من الله لا يخطئ لأن بذرة الله تثبت فيه، من خلال قوة هذه البذرة الموجودة فيه تظهر فيه سمة عدم إمكانية أن يخطئ. وقد قيل في نهاية كلمات الرسالة: "كل من وُلد من الله لا يخطئ، بل المولود من الله يحفظ نفسه والشرير لا يمسه" (١ يو ٥: ١٨).
v إن كان أبناء إبراهيم يعملون أعمال إبراهيم، وأول هذه الأعمال هي أن يذهب من أرضه وعشيرته ومن بيت أبيه ويرحل إلى الأرض التي يريه الله إياها، لهذا فإن سبب توبيخ من وُجهت إليهم هذه الكلمة بأنهم ليسوا أبناء إبراهيم، إذ لم يخرجوا من بيت أبيهم، فلا يزالوا ينتمون إلى الأب الشرير ويعملون أعمال ذاك الأب.
v
إذ قال المخلص أن الله هو أبوه (يو ٥: ١٨) ولم يعرف رجلاً بأنه أباه، فلذلك
قالوا: "إننا لم نولد من زنا" لمقاومته، مضيفين: "
لنا أب واحد وهو الله" (٤١). وكأنهم يقولون له:
"إننا نحن الذين لنا أب واحد وهو الله وليس أنت يا من تدعي أنك وُلدت من بتول، فأنت وُلدت من زنا.إنك تفتخر أنك وُلدت من عذراء بقولك أن لك الله وحده هو أبوك. نحن الذين نعرف الله كأب لنا لا ننكر أنه لنا أب بشري".
العلامة أوريجينوسv
إذ أدرك اليهود أنه لا يتحدث عن نسبهم الجسدي لإبراهيم بل عن سلوكهم، وهم يعلمون أن السلوك الشرير هو انحراف عن الله، وبالتالي يسقطون في الزنا الروحي، لهذا تركوا الحديث عن نسبهم لإبراهيم لأنهم فشلوا في الاقتداء به، وقالوا له: "
إننا لم نولد من زنا. لنا أب واحد وهو الله" (٤١).
v أنتم تدعون الله أبًا، لتعرفوني إذن على الأقل كأخٍ لكم. وفي نفس الوقت أعطاهم حافزًا لقلوب الأذكياء بذكر ما اعتاد أن يقول: "لم آتِ من نفسي، هو أرسلني. أنا خرجت وأتيت من الله"... لقد جاء من عنده بكونه الله المساوي له، الابن الوحيد، كلمة الآب، جاء إلينا، لأن الكلمة صار جسدًا لكي يحل بيننا. مجيئه يشير إلى ناسوته، الذي هو سكناه، و إلى لاهوته. إنه بلاهوته ذاك الذي بناسوته يجعلنا نتقدم. لو لم يصر هكذا لكي ما نتقدم ما كنا قط نقتنيه ذاك الذي يبقى إلى الأبد.
http://www.arabchurch.com/newtestament_tafser/john8.htm