لعبة قط وفأر..!
سامح محروس
أصبحت عملية بناء الكنائس في مصر أشبه بلعبة "القط والفأر" بين الكنيسة والدولة أو بمعني أصح بين الأقباط وبعض الأجهزة التنفيذية وسأظل أقول ودون ملل إن مصيبتنا الحقيقية اننا لا نريد أن نقتحم مشاكلنا بصراحة ونفضل اللجوء دائما إلي المسكنات والمهدئات ومثل هذه المسكنات وان كانت تريح المريض لفترة فإنها لا تمنحه الشفاء بل ربما تكون سببا في زيادة أمراضه وتفاقمها ان استمرأ تعاطيها دون اتخاذ خطوة جريئة نحو العلاج.
من الناحية النظرية.. الدولة تقول انها تكفل حرية العبادة وحرية العبادة تلزمها اقامة دور للعبادة ولا يوجد في القانون نص صريح يمنع الأقباط من بناء كنائسهم.
ولكن من الناحية العملية دعونا نعترف بأن كنائس جديدة وتوسيع الكنائس القائمة مسألة شديدة الصعوبة وتخضع لمساومات مع عدد لا حصر له من الأجهزة التي تبدأ بالإدارات الهندسية ولا تنتهي بالأجهزة الأمنية.
أتحدث في هذه السطور عن بناء الكنائس الجديدة. اما توسيع وترميم الكنائس القديمة فهي مسألة متروكة لتقدير كل محافظ وإداراته الهندسية والأجهزة الأمنية في محافظته إذا أراد المحافظ "منح" وإذا لم يرد "منع" والأسباب في كلتا الحالتين جاهزة وقابلة للاستخدام والأمر يتطلب قسيس فهلوي يجيد المرور بين دهاليز الإدارات المختلفة وتسليك نفسه بأي شكل وأي ثمن حتي ينال المراد.
الأقباط شأنهم شأن أي بشر يتزايدون وبناء الكنائس بالنسبة لهم فضلا عن كونه يمثل ضرورة حياتية ترتبط باحتياجاتهم الدينية فإنه يمثل في ذات الوقت حساسية نفسية تجعلهم يشعرون بجرح غائر وهم يرون أنفسهم محرومين عمليا من هذا الحق الذي ينال من حقوقهم في المواطنة.
الأقباط يدركون جيدا انهم إذا أفصحوا عن رغبتهم في بناء كنيسة جديدة ببراءة وشفافية لن يكون ذلك محل احترام وتقدير من بعض المسئولين سيدخل الطلب في الثلاجة وابقي قابلني بعد عشرين سنة لو تمت الاستجابة سيذهبون للمحافظ والمحافظ سيحيل الطلب للجان المختلفة وقد يبعث به إلي مجلس الوزراء والمجلس سيرد بعدم الاختصاص ليعود الطلب مرة أخري الي سيادته ليؤكد لهم ان الأمر في حاجة الي قرار جمهوري وليس بيده.
وإذا كان المحافظ "راجل جدع" فإنه سيمنحهم ترخيصا بإقامة دار مناسبات أو مبني خدمات وهو يعلم يقينا بأن المطلوب بناء كنيسة وان هذا المبني سيستخدم بشكل أو بآخر ككنيسة. وعلي فكرة 99% من الكنائس التي يتم بناؤها في مصر حديثا لا تخرج عن هذا المسار والكل يعلم جيدا انه ليس من المنطق في شيء أن يصدر قرار جمهوري بالترخيص ببناء دور عبادة القرار الجمهوري يصدر لتشكيل حكومة أو ابرام اتفاقية أو اعلان حرب ولا يصح أن نشغل الرئيس المسئول عن مستقبل وطن بأكمله بقضية بناء كنيسة في قرية بمجاهل الريف أو الصعيد.
وكما ان أصابع يديك ليست مثل بعضها هكذا ايضا المحافظين ليسوا مثل بعضهم هناك نوعية من المحافظين "تديها طناش" وتراهن علي ان أصحاب الطلب ممكن يزهقوا أو يخافوا خاصة الأمر لن يخلو من جرجرتهم كل شوية لسؤالهم أمام الأجهزة المختلفة عن طبيعة دوافعهم الشريرة لبناء هذه الكنيسة "!!" وبعدين سيادة المحافظ فعلا مستغرب من حكاية الكنيسة التي يطالبون بها لأننا طول عمرنا حبايب وعايشين مع بعض في سلام وهو لا ينسي أيام طفولته التي قضاها مع اصدقائه الأقباط وكانوا بياكلوا في طبق واحد عند جارته أم فيكتور ولم تكن هناك كنيسة ولا شيء من هذا الأمر. ايه اللي حصل؟ ومين اللي طلعها في دماغ الأقباط وخلاهم عاوزين يبنوا كنيسة؟ حاجة غريبة.. عموما ان أصوات العقلاء في هذا البلد أقوي بكثير من الموتورين ولازم نعرف ان التطرف موجود بين الجانبين وانه كما يوجد مسلمون متطرفون هناك أيضا مسيحيون متطرفون وعلي أي الأحوال الزمن كفيل بأن يقضي علي هذه الفكرة الخبيثة التي يمكن أن تضر بوحدتنا الوطنية وتقوض سلامنا الاجتماعي وتماسكنا الذي يحسدنا عليه العالم منذ 7 آلاف سنة.
هنا لا يجد الأقباط مفرا من التراجع عن هذه الفكرة التي كانت ستحرق البلد وتعرض مستقبل الأجيال للخطر ويكتفون بالصلاة في منزل أحدهم ليفاجأوا بمن يقول: الحقوا الأقباط هايحولوا البيت الي كنيسة.. يا نهار اسود!!
وفي اليوم التالي يكون الخبر منشورا في كل الصحف: قوات الأمن تحاصر القرية الفلانية بعد أعمال شغب وحرق طالت منازل ومتاجر المسيحيين وقد يتحول الخبر الي مادة تليفزيونية يتحدث فيها سيادة المحافظ والبراءة تطل من عينيه وهو يقول: أنا ما عنديش أي مشكلة.. أنا قلت لهم عاوزين تبنوا كنيسة تعالوا فورا وقلبي ومكتبي مفتوح لكم.. ولكن المشكلة انهم بيلجأوا للأساليب الملتوية ومش عاوزين يمشوا صح.. طيب أعمل لهم ايه بقي؟
ألم أقل لكم من البداية: انها لعبة قط وفأر؟!!