<BLOCKQUOTE>
الفضيلة: تعريفات ومستويات
تعريفات
ما أكثر الأسماء أو الصفات التي نطلقها على الفضيلة. وهى في مجموعها تعطينا فكرة عن كنه الفضيلة وتفاصيلها وطريقة السلوك فيها..
وسنحاول أن نذكر هنا بعضاً من هذه التعريفات:
1- الفضيلة هي محبة الخير:
إنها ليست في مجرد عمل الخير, إنما بالأكثر في محبة الخير. ذلك لأن الفضيلة التي تمارس من الخارج فقط, وليست صادرة من القلب, قد تكون رياءً. أو أن البعض يعملون الخير خوفاً من إنتقاد الناس, أو خوفاً من عقوبة المجتمع أو عقوبة القانون, أو يفعلون ذلك خجلاً, أو من أجل المنفعة, أو لمجرد كسب مديح الآخر وليست حباً في الخير ولا حباً في الغير, أو رغبة في نوال مكافأة, أومجارة لتيار معين, أو تقليداً لغيرهم. كل ذلك بغير اقتناع من الداخل, وبغير رغبة! وربما يفعل الشخص ذلك وهو محرَج, لا يستطيع أن يمتنع أو يقول لا!! وعمل الخير لشئ من هذه الأسباب لا يمكن أن يُحسب فضيلة... الفضيلة هي إذن حب الخير, حتى لو كان الإنسان لا يستطيع أن يفعله لسبب خارج عن إرادته, لوجود موانع تمنع التنفيذ عملياً... ولكن إن وُجدت امكانية لعمل الخير, فلابد أن يعمله. لأنه حينذاك تجتمع نية القلب مع العمل والإرادة, لأن النية وحدها لا تفيد الآخرين.. فالفضيلة تبدأ في داخل القلب, وتنبع منه, في المشاعر والنيات والأحاسيس. ويكون عمل الخير هو التعبير عما في القلب من مشاعر طيبة..
2- الفضيلة هي السلوك الفاضل
إنها تبدأ في الداخل, في القلب والفكر والروح. ولكنها تظهر في الخارج عن طريق الممارسة العملية. فالحب مثلاً هو فضيلة في القلب, ولكن لابد أن يتحول إلى عمل محبة في الخارج. فلا نحب بالكلام ولا باللسان, بل بالعمل والحق. هنا تظهر المحبة عن طريق العطاء والبذل والتضحية... فضيلتك التي في فكرك لا يشعر بها أحد. ولكنك تعبر عنها بعملك. وكذلك محبتك لإبنك التي في داخل قلبك, تعبر عنها بالعطايا والاهتمام وبالحنو. وأيضاً لا يكفى أن تقول إن محبتك لله هي في قلبك, بل تعبر عنها بطاعتك لوصاياه.
وبالمثل: خشوع العابد في داخل قلبه, يعبر عنه بخشوع الجسد من الخارج. بالسجود والركوع في الصلاة. وحفظ الجسد أثناءها من طياشة الفكر والحواس. وبهذا يشترك الجسد مع الروح. وتكون الفضيلة من الداخل والخارج معاً.. إن حياة الشجرة في داخلها. ولكنها تعبر عن وجود الحياة فيها بالخضرة وبالزهر والثمر. ونحن نريد الفضيلة المثمرة, بالعمل الصالح, بالكلمة الطيبة, بالسلوك الحسن, بالمحبة العملية, بالقدوة المؤثرة في الغير...
3- الفضيلة هي في الشخصية المتكاملة:
بحيث لا يوجد في من يمارسها أى نقص في سلوكه. وهذا واضح عملياً: فإن سلك في فضيلة ما, لابد ستقوده إلى فضائل أخرى كثيرة. كما أنه أذا فقد إحدى الفضائل, ما أسهل أن يجره السقوط إلى فضائل أخرى عديدة.. إنها سلسلة مترابطة إن إنفك عقد أحدها, إنفرط الباقى أيضاً...
فطالب العلم الذي يهمه مستقبله, يقوده هذا إلى الاجتهاد والعمل على التفوق. وهذا الاجتهاد يحثه على البعد عن اللهو. والبعد عن اللهو يبعده أيضاً عن أصدقاء السوء. والبعد عنهم ينجيه من القدوة السيئة. وهذا أيضاً يساعده على حياة الفضيلة... وهكذا تتعاون الفضائل معاً, ويؤدى بعضها إلى البعض الآخر. وبالمثل فإن الخطية تجر إلى خطايا أخرى.
4- الفضيلة وضع متوسط بين رذيلتين:
أو هي وضع متكامل بين نقصين. ومن أمثلة ذلك:
الشجاعة هي الوضع المتوسط بين الخوف والتهور..
والتربية السليمة هي الوضع المتوسط بين التدليل والقسوة (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات).. والتدبير الحسن لما تملكه هو الوضع المتوسط بين البخل والتبذير..
ويمكننا أن نذكر أمثلة عديدة لهذا الوضع المتوسط..
مستويات
* فيوجد نوعان من الفضيلة: وذلك من الناحية السلبية, والناحية الإيجابية. فالناحية السلبية هي مقاومة الخطيئة ورفضها. أما من جهة الناحية الإيجابية فهى عمل الخير. وليست الفضيلة هي فقط البعد عن الخطيئة, إنما يجب الإرتفاع عن المستوى السلبى, وذلك إيجابياً بالسلوك في حياة البر:
لا يكفى فقط إنك لا تكره إنساناً, إنما يجب أن تحب الكل...
لا يكفى أن تمتنع عن اللفظ بأية كلمة خاطئة, إنما يجب أيضاً أن تقول كلاماً للبنيان ينفع الآخرين. مصدر المقال: موقع الأنبا تكلاهيمانوت. ولذلك فإن الفضيلة ليست فقط أنك لا تضر الناس, إنما هي بالأكثر أن تعينهم بقدر إمكانك, وتعمل على راحتهم أو إسعادهم..
* ومستويات الفضيلة تشمل الحسّ، والفكر, والقلب, والعمل
فهناك المستوى الجسدى للفضيلة, والمستوى النفسى, والمستوى الروحى...
وعلى الإنسان أن يحفظ نفسه في كل مستوى, ويحترس من السقوط في غيره فمثلاً الحواس هي أبواب الفكر, وما تراه أو تسمعه أوتلمسه, قد يجلب لك أفكاراً. فلكى تحفظ فكرك, أحفظ حواسك. وإن أخطأت بالحواس, لا تجعل الخطأ يتطور إلى فكرك. وإن وصل الخطأ إلى الفكر, اطرده بسرعة, وحذار أن تجعله يتحول إلى مشاعر في قلبك. وإن تحوّل إلى مشاعر, لا تجعله يتطور إلى العمل بالضغط على ارادتك...
واعلم أن جميع المستويات تتجاوب مع بعضها البعض.
وقد يصير الواحد منها سبباً ونتيجة... فخطأ القلب يسبب خطأ الفكر. كما أن خطأ الفكر يسبب مشاعر للقلب. وربما الأثنان يدفعان إلى العمل. وكذلك المشاعر والعمل يقودان إلى خطأ الحواس.
إنها دائرة متصلة. أية نقطة فيها توصل إلى باقى النقاط
وكما في الشر, كذلك في الخير: تتعاون كل المستويات معاً...
إن الذي يسلك في الفضيلة, يودى أن ينمو فيها. ويستمر في النمو حتى يصل إلى الكمال الممكن له كإنسان. واعنى الكمال النسبى, نسبة إلى ما عنده من إمكانيات, وما يُوهب له من عمل النعمة فيه... والسعى إلى الكمال يحتاج إلى التدرج.
والآباء الروحيون كثيراً ما كانوا يدربون أولادهم في نطاق هذا التدرج. لأن الطفرات السريعة في الفضيلة قد تؤدى إلى ارتفاع القلب والكبرياء، وأحياناً تكون لها نتائج عكسية. لكن القادة الروحيين كانوا يعملون على تثبيت أبنائهم في كل خطوة يخطونها. حتى إذا ما صارت شبه طبيعة عندهم, يتدرجون منها إلى خطوة أعلى, ولا يصبحون في خطر من أية نكسة ترجعهم إلى الوراء...
أما إذا أرادت نعمة الله أن ترفع الإنسان إلى فوق مرة واحدة, فهذه هبة إلهية غير عادية.
والسعى إلى الكمال يحتاج إلى جهاد:
لأنه كما أن نعمة الله تساعد الإنسان على الارتفاع إلى فوق, فإن قوى الشر لا تريد أن تتركه في راحة, إنما تحاول أن تجذبه إلى أسفل. ومن هنا كانت محاولة الوصول إلى الكمال الروحى, هي صراع ضد الخطية وضد العقبات الروحية.
</BLOCKQUOTE>